المقالات

اللاجئون في مصر و تركيا … مخاوف الاستخدام الداخلي قد تفوق الاضطراب الخارجي

اللاجئون في مصر و تركيا ... مخاوف الاستخدام الداخلي قد تفوق الاضطراب الخارجي

اللاجئون في مصر و تركيا … مخاوف الاستخدام الداخلي قد تفوق الاضطراب الخارجي
                                                                                                                                د. أحمد متولي عبدالله

في الآونة الأخيرة، شهدت كل من مصر وتركيا تدفقًا كبيرًا من اللاجئين، خاصة السوريين والسودانيين. وقد كانت تركيا الوجهة الرئيسية للاجئين السوريين، حيث تعاملت الحكومة التركية معهم في البداية بشكل مشابه لمعاملة المواطنين الأتراك، بل وسارعت في منح الجنسية لعدد كبير منهم. في المقابل، سمحت مصر للسوريين بامتلاك العقارات وإقامة المشروعات والدراسة في جامعاتها.

في تركيا، سُمح للاجئين السوريين بممارسة العديد من الحقوق مثل الحصول على الجنسية وامتلاك العقارات. ومع مرور الوقت، ظهرت مشكلات اجتماعية جديدة، إذ أصبح من الممكن أن يكون المالك سوري الأصل والمستأجر تركي الأصل. وباعتبار أن الشعب التركي يعتز بقوميته، أدى هذا الوضع إلى تصاعد التوترات بين بعض الأتراك واللاجئين السوريين، مما أسفر عن ظهور مصطلح “العنصرية” في الخطاب العام في تركيا.

من جهة أخرى، عقب الأزمة السودانية، لجأ عدد كبير من السودانيين إلى مصر. تاريخيًا، كان الخلاف بين المصريين والسودانيين نادرًا، نظرًا للروابط التاريخية والثقافية التي تجمع الشعبين. ومع ذلك، تسبب تدفق اللاجئين السودانيين في زيادة أسعار الإيجارات في مصر، وهو ما تزامن مع أزمة اقتصادية يواجهها المصريون، مما أدى إلى إلقاء اللوم على اللاجئين السودانيين في هذه الزيادة.

تثير هذه الأحداث أسئلة هامة: هل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت في الآونة الأخيرة في كل من مصر وتركيا ناتجة عن وجود اللاجئين، أم أنها تعكس ردود فعل طبيعية على الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلدان؟ هل هناك من يستخدم بعض اللاجئين لزعزة الاستقرار الداخلي لتلك الدول؟ هل الخلافات بين البعض من أصحاب البلد و البعض من اللاجئين مفتعلة؟ ما هو مصير اللاجئين اذا زاد الضغط الشعبي؟ ما مصير اللاجئين السوريين بعد اجتماع اردوغان و الأسد المرتقب؟

 
سياسات التعامل مع اللاجئين في البلدين
في البداية، تعاملت الدولة التركية مع اللاجئين السوريين بشكل يعكس الترحيب بهم وكأنهم جزء من المجتمع التركي. تم منحهم العديد من الامتيازات، بما في ذلك الحصول على الجنسية التركية وحقوق العمل وامتلاك العقارات. هذه السياسات كانت تعبيرًا عن سياسة الباب المفتوح التي اعتمدتها الحكومة التركية في بداية الأزمة السورية. وقد استندت هذه السياسات إلى اعتبارات إنسانية وأخرى سياسية، حيث سعت تركيا إلى تعزيز موقعها كداعم رئيسي للاجئين في المنطقة.

ومع ذلك، ومع مرور الوقت وتزايد أعداد اللاجئين، بدأت تظهر مشكلات اجتماعية واقتصادية نتيجة هذا التدفق الكبير. من بين هذه المشكلات، الشعور بالضغط على الموارد المحلية وتزايد التنافس على فرص العمل، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين المواطنين الأتراك واللاجئين. وقد نتج عن ذلك تحول في سياسات الحكومة التركية، حيث بدأت بعض الجهات في انتهاج سياسات أكثر تشددًا تجاه اللاجئين. ومن هذه السياسات، ترحيل بعض اللاجئين السوريين لأسباب مختلفة، منها ما يتعلق بعدم الالتزام بالقوانين المحلية أو نتيجة لضغوط سياسية واجتماعية متزايدة.

على الجانب الآخر، اعتمدت الدولة المصرية سياسة مختلفة في التعامل مع اللاجئين. فمنذ البداية، حددت الحكومة المصرية سقفًا لعدد اللاجئين المقبولين، وأخذت في الاعتبار التوازن بين الاحتياجات الإنسانية والضغوط الداخلية. لم تتخذ مصر خطوات واسعة نحو منح الجنسية للاجئين كما هو الحال في تركيا، مما جعل من الصعب على اللاجئين السوريين وغيرهم الحصول على الجنسية المصرية. وقد أدى هذا النهج إلى تقليل المشكلات الاجتماعية المتعلقة باللاجئين، حيث لم يشعر المواطنون المصريون بأن اللاجئين يشكلون تهديدًا كبيرًا لمواردهم أو فرص عملهم.

بالتالي، يمكن القول إن سياسات الدولتين تجاه اللاجئين تباينت بشكل كبير. بينما اختارت تركيا نهجًا مفتوحًا وسريعًا أدى إلى تحديات لاحقة، فضلت مصر نهجًا أكثر حذرًا ومقيدًا، مما سمح لها بتجنب بعض الأزمات الاجتماعية التي واجهتها تركيا.

الاستغلال السيء للاجئين أخطر من الحروب الخارجية
الجدير بالذكر أنه في الفترة الأخيرة، شهدت كل من تركيا ومصر أزمات اجتماعية متزايدة نتيجة لتفاقم التوترات بين المواطنين المحليين وبعض اللاجئين. في تركيا، تعمقت لهجة العنصرية ضد السوريين، حتى أن البعض بدأ يتعامل مع جميع العرب بكراهية. تفاقمت هذه الأزمة بشكل أكبر مع تداول أخبار عن لقاء مرتقب بين الرئيس التركي والرئيس السوري، مما أدى إلى احتقان المعارضة السورية وتصاعد الغضب، حيث وصل الأمر إلى قيام بعض اللاجئين السوريين بحرق العلم التركي، وهو فعل يمثل تهديدًا للأمن القومي التركي.

في مصر، تصاعدت مشاعر التذمر لدى بعض المواطنين تجاه اللاجئين السوريين، كما ظهرت مطالبات بترحيل اللاجئين السودانيين. هذه المطالبات ازدادت بعد أن قام عدد من اللاجئين السودانيين بمحاولات لإثبات أن حلايب وشلاتين تتبع للسودان، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى التدخل لوقف هذه الظاهرة.

هذه الممارسات، إذا استمرت وتفاقمت، قد تشكل خطرًا كبيرًا على استقرار البلدين، أكثر من خطر الدخول في حرب خارجية. فهذه التوترات الداخلية يمكن أن تؤدي إلى انقسامات اجتماعية وسياسية خطيرة، مما يجعل الدول أكثر عرضة للتأثيرات الخارجية والمخاطر الأمنية. نظرية “فرق تسد” تشير إلى استغلال الانقسامات الداخلية لإضعاف الدول، وقد أثبتت هذه النظرية نجاحها في العديد من الحالات التاريخية. إذا لم تتم معالجة هذه التوترات بحكمة، قد تجد تركيا ومصر نفسيهما في مواجهة أزمات داخلية تهدد نسيجهما الاجتماعي والأمن القومي، مما يجعل الاستغلال السيء للاجئين تهديدًا أخطر من أي تهديد خارجي محتمل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى