السياسة العثمانية مع الأقليات الدينية بالمنطقة الشامية
السياسة العثمانية مع الأقليات الدينية بالمنطقة الشامية
السياسة العثمانية مع الأقليات الدينية بالمنطقة الشامية
د. أحمد متولي عبدالله
تستقبل اذاننا في أحاين عدة جملة “الدولة العثمانية”و”الخلافة العثمانية”و”الحكم العثماني” و”الأمبراطورية العثمانية” و لعلنا نؤكد انه تاريخ طويل ممتد لمئات السنين، مع هذا التاريخ يجب ان يكون هناك قناعة كبرى ان هذا التاريخ لمصدقيته مبني على مصادر (وثائق) و اذا ضاعت تلك المصادر ضاع التاريخ معها.
تلك المصادر و الوثائق هامة جدا خاصة في موضوعنا هذا عن الأقلية الدينية و الطوائف في الدولة العثمانية داخل منطقة لها أهمية كبرى. هنا عند الحديث عن السياسة العثمانية مع الأقليات الدينية يجب أن نضع في أذهاننا التعامل مع اليهود و المسحيين و الأرمن علاوة على الفرق الشيعية المختلفة مثل العلوين و الدروز و غيرهم، علاوة على ذلك فانه يجب علينا تصور المنطقة خلال تلك الفترة، فهنا نجد تلك الفترة ادارات رئيسة في جزء من منطقة الشام؛ لأننا نخص هنا سوريا و هى ادارات ست منها: ادارة دمشق و ادارة حلب و ادارة كردستان و جبل الدروز و جبل العلويين و جبل لبنان، فتلك المنطقة ممكن أن نطلق عليها منطقة “ممر سلطة” في الحكم العثماني لأهميتها و ما كان لها من تأثير على أنظمة الحكم.
الجدير بالذكر انه عند التطرق لهذه الموضوعات يجب أن يأتي في أذهاننا تلك التساؤلات: ماهو نظام تعامل الدولة العثمانية مع الأقليات؟، هل القومية العثمانية ساعدت على ابراز رد الفعل القومي عند الأرمن في سوريا؟، هل تحولت القومية عند الطرفين الى عنصرية؟!، ما هو تعامل الدولة العثمانية مع بعض الفرق الشيعية مثل الدروز و العلويين؟!. كل هذه التساؤلات و اجابتها يجعلنا قادرون على قرأة الحاضر حتى و ان اختلفت المسميات.
كما ورد في العديد من الوثائق ان الدولة العثمانية كانت تحرص دائما على المعاملة الطيبة مع “أهل الذمة” – أصحاب الأديان السماوية الأخرى بحسب الشريعة الاسلامية – و قد وردت في احدى الوثائق المرسلة من بطريك القدس ان الدولة العثمانية منحت العديد من الامتيازات و الاعفاءات للفقراء و الارامل في فلسطين و الشام و غيرها من المناطق المحيطة و ذكر ان المسلم و الذمي كانا يتعاملان معاملة واحدة.
مع منتصف القرن التاسع عشر الميلادي أظهرت مراسيم 1855م و 1856م السماح لغير المسلمين بالانخراط في الحياة السياسية و الدخول الى البرلمان عام 1877م، و هنا نجد الدولة العثمانية قسمت حكمها الى المؤسسة الدينية و أخرى من جيش و خدمة قصر و حكومة، فالمؤسسة الدينية لا يحق لغير المسلم التعيين فيها لكن خلاف ذلك حق لغير المسلم التعيين و خاصة الوظائف التي تتعلق بالخارجية.
مع الوقت ظهر “نظام الملة” و هو استمرار و امتداد تاريخي و قانوني لمصطلح “أهل الذمة” لكن بشكل منظم؛ حيث أن “الملة” هى جماعة تتألف من المواطنين المحليين الخاضعين للباب العالي و تكون تحت سلطة البطاركية و الحاخامات الدينية، فمؤسسة نظام الملة هي الوسيطة بين الدولة و أهل الملل الأخرى.
تعاقبت الأحداث و مرت السنوات حتى سرعان ما تغير الكثير من الأوضاع المستقرة؛ فمع النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي أخذت دفة سفينة الأستقرار منحى أخر. أزدادت العصبية القومية لأكثر العثمانين و خاصة مع التطور السريع الذي حدث في أوروبا و التي ساعدت الاقليات على ابراز نزعة “القومية” ايضا لديهم و خاصة الأرمن!، فبدأت الشدة بين الطرفين؛ طرف عثماني قومي و طرف مسيحي و ارمني مدعوم من أوروبا و كل منهم أخذ الشكل العنصري و ليس القومي المتزن فحسب و كانت تلك الفرصة الأكبر لدعم الأقليات في الدولة العثمانية حيث قامت على: تعزيز الشعور القومي عند الأقليات الدينية في منطقة الشام والضغط على الدولة العثمانية بأجراء اصلاحات للتعامل مع الأقليات لذلك نجد ان أوروبا قدمت كل وسائل الدعم لايجاد سبيل أخر للاقليات في الدولة العثمانية و هى ورقة ضغط كبيرة على الدولة بالطبع.
من ناحية أخرى فان الدولة العثمانية هى دولة تتبع الشريعة الاسلامية السنية و بكونها هكذا فان اصحاب المذهب الشيعي و خاصة الدروز و العلوين الذين انتشروا لعقود في الشام بدأوا في الأنحسار الى ان اصبح الشيعة الامامية يمثلون اقلية صغيرة و غيرهم.
وهنا وجب التنوية على طائفة العلويين و التي أسمها الأتراك “علي الهي”؛ لأنهم وصلوا الى مرحلة تأليه الأمام على (رضي الله عنه) و لكن لم يجدوا النور و الطريق للانتشار في الشام، و رغم تعامل الدولة العثمانية الجيد مع اصحاب الاديان الأخرى و لكنها كانت صارمة بشكل حاد و كبير مع الطوائف و الفرق الأخرى من الشيعة.
استنتاجا لهذا و كعادة التاريخ و السياسة فان تعامل الدولة مع الاقليات اختلف و تباين على مدار السنين و من ناحية أخرى على الرغم من أن كلمة “قومية” هى كلمة جيدة و لكن مبالغة أستخدامها في بعض الأحاين قد يتحول الى “عنصرية” و العنصرية مرض صعب استئصاله من جسد المجتمع بسهولة و هنا بحق نقرأ التاريخ و نراه مرأة لصورة الحاضر!.